روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | علاقة المرأة المسلمة.. بوالديها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > علاقة المرأة المسلمة.. بوالديها


  علاقة المرأة المسلمة.. بوالديها
     عدد مرات المشاهدة: 3391        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

بارة بهما: إن من أبرز ما تتميز به المرأة المسلمة الراشدة برها بوالديها والإحسان إليهما، ذلك أن الإسلام  حض على بر الوالدين في كثير من النصوص القاطعة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-

وكل مسلمة تطالع هذه النصوص لا يسعها إلا الالتزام بهديها، والمسارعة إلى بر والديها مهما تكن الظروف ومهما تكن العلاقة بين الفتاة ووالديها.

عارفة قدرهما وما يجب عليها نحوهما:

تدرك المرأة المسلمة من خلال تلاوتها لكتاب الله -عز وجل- المرتبة العالية التي رفع الله إليها الوالدين، وإنها لمرتبة ما عرفها البشر إلا في هذا الدين إذ جعلها تلي مرتبة الإيمان بالله والعبودية له.

فقد تتابعت آيات الله الكريم واضعة مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله -عز وجل-، وجاعلة الإحسان إليهما رأس الفضائل بعد الإيمان بالله، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(النساء:36).

ومن هنا كانت الفتاة المسلمة -الواعية هدي دينها- أبر بوالديها من أي فتاة أخرى، إذ لا يتوقف برها لوالديها عند انتقالها إلى عش الزوجية حيث يكون لها عالمها الخاص المستقل الشاغل اللاهي.

بل يستمر برها بوالديها ما تنفس بها العمر وامتدت بها الأيام؛ عملاً بهدي القرآن الكريم وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وبخاصة عندما يصلان إلى مرحلة العجز والضعف والهرم، ويحتاجان إلى الخلق الراقي والبسمة الحانية والكلمة الودود.

قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)(الإسراء:23-24).

فالمرأة المسلمة التقية الداعية التي استنارت بصيرتها بنور القرآن الكريم تتلقى دوماً مثل هذا الإيقاع الرباني الجميل، كلما تليت الآيات الموصية بالوالدين تزداد براً بهما وإحساناً إليهما وإقبالاً على خدمتهما وتفانياً في التماس رضاهما.

لقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- المربي العظيم؛ بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام: الصلاة على وقتها والجهاد في سبيل الله، والصلاة عماد الدين، والجهاد ذروة سنام الإسلام، فأي مقام كريم هذا؟!

فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها.

قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله) متفق عليه، ولا ننسى موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعبئ كتائب الجيش للجهاد أن يذكر بقلبه الإنساني الرفيق ضعف الوالدين.

وحاجتهما لابنهما، فيصرف أحد الصحابة المتطوعين للجهاد عن التطوع ويلفته برفق إلى العناية بوالديه -مع حاجته إلى كل ساعد يضرب بالسيف آنذاك-.

وذلك في الحديث الذي رواه الشيخان: (جاء رجل فاستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد) متفق عليه.

ولما أنكرت أم سعد بن أبي وقاص عليه إسلامه، وقالت له: "إما أن ترجع عن إسلامك وإما أن أضرب حتى أموت فيعيرك العرب إذ سيقولون: "قاتل أمه"، فأجابها سعد: "تعلمين والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما رجعت عن إسلامي"، وصبرت أمه يوماً فيومين.

وفي اليوم الثالث أجهدها الجوع فطعمت وأنزل الله قرآناً يتلى فيه عتاب لسعد على شدته مع أمه في جوابه لها، قال -تعالى-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)(لقمان:15).

وفي قصة جريج العابد عبرة بالغة في أهمية بر الوالدين، والمسارعة في طاعتهما، إذ نادته أمه وهو يصلي فقال: (اللهم أمي وصلاتي واختار صلاته ونادته الثانية فلم يجبها واستمر في صلاته ونادته الثالثة فلم يجبها واستمر في صلاته فدعت عليه ألا يميته حتى يرى وجوه المومسات) متفق عليه.

وقد استجاب الله دعاء أمه عليه، فادعت عليه امرأة بغي الزنا بها، وكاد أن يقام عليه الحد، لولا أن تداركته رحمة الله فأنطق الغلام ببرائته، وورد في بعض الروايات أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو كان جريج عالماً لعلم أن إجابته أمه أولى من عبادة ربه".

ومن هنا رأى الفقهاء أن المرء إذا كان في صلاة النفل وناداه أحد والديه فعليه أن يقطع صلاته ويجيبه.

ولقد وقر في قلوب المسلمين والمسلمات وجوب بر الوالدين، فسارع الأبناء والآباء إلى برهما في حياتهما، وبعد مماتها، والأخبار والأحاديث في ذلك كثيرة منها:

(أن امرأة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) رواه البخاري.

وجاءت أخرى فقالت: (إني كنت تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت قال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها قال صومي عنها قالت يا رسول الله إنها لم تحج قط أفأحج عنها قال نعم حجي عنها) رواه مسلم.

تبر والديها ولو كانا غير مسلمين:

وتوضح هذا توجيهات النبي الكريم، إذ يوصي ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو كانا على غير دين الإسلام.

وذلك فيما حدثتنا به أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: (قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي قال نعم صلي أمك) متفق عليه.

فالمرأة المسلمة الواعية لهذه التوجيهات القرآنية العالية، واللفتات النبوية السامية؛ لا يسعها إلا أن تكون من أبرّ الخلق بوالديها في كل حال، وفي كل آن، وهذا ما كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فقد سأل رجل سعيد بن المسيب قائلاً: "لقد فهمت آية بر الوالدين كلها، إلا قوله -تعالى-: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) فكيف يكون القول الكريم؟"، فأجابه سعيد: "يعني خاطبهما كما يخاطب العبد سيده".

وكان ابن سيرين يكلم والدته بصوت ضعيف كأنه صوت مريض إجلالاً لها واحتراماً.

شديدة الخوف من عقوقهما:

وبقدر مسارعة بر المرأة المسلمة بوالديها تخشى من الوقوع في جريمة عقوقهما، ذلك أنها تدرك فداحة هذه الجريمة التي تعد من الكبائر، وتعرف الصورة السوداء المعتمة التي رسمتها النصوص الصحيحة لكل عاقة لوالديها باقتران العقوق بالشرك بالله كما اقترن البر بهما هناك بالإيمان بالله، فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث.

قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين...) متفق عليه.

تبر أمها ثم أباها:

جاء هذا في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل فسأله: (يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي فأجابه أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك).

ففي هذا الحديث تأكيد من الرسول الكريم على أن بر الأم مقدم على بر الأب.

ولقد استثار القرآن الكريم مشاعر البر والعرفان في نفوس الأبناء، فوصى بالوالدين، وخص الأم بالفضل بسبب الحمل والرضاعة، وما تكابد من مشاق ومتاعب في هاتين المرحلتين من مراحل الحياة في صورة لطيفة حانية توصي بالبذل النبيل والحنو المطلق.

قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(لقمان:14).

وهذا ابن عمر يشهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت الحرام يحمل أمه ويقول: "إني لها بعيرها المذلل، وقد حملتها أكثر مما حملتني أتراني جزيتها يا ابن عمر؟" فأجابه: "لا، ولا بزفرة واحدة".

وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان: (إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال أنت أويس بن عامر قال نعم قال من مراد ثم من قرن قال نعم  قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم قال نعم قال لك والدة قال نعم .

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له فقال له عمر أين تريد.

قال الكوفة قال ألا أكتب لك إلى عاملها قال أكون في غبراء الناس أحب إلي قال فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال تركته رث البيت قليل المتاع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك.

فافعل فأتى أويسا فقال استغفر لي قال أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال استغفر لي قال أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال لقيت عمر قال نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بردة فكان كلما رآه إنسان قال  من أين لأويس هذه البردة) رواه مسلم.

فأي مقام بلغه أويس ببره والدته حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى صحابته أن يلتمسوا دعاءه.

تحسن أسلوب برهما:

فالمرأة المسلمة تختار أقل الطرق وأرقى الأساليب في مخاطبتهما ومعاملتهما، وتخفض لهما جناح الذل من الرحمة، ولا يصدر عنها كلمة تضجر أو تأفف أو ضيق منهما، مستهدية دوماً بقوله -تعالى-:

(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:23-24).

وقد يكون الوالدان أو أحدهما في انحراف عن جادة الحق والصواب، فواجب الفتاة المسلمة البارة في مثل هذه الحالة أن تسلك معهما مسلك الرفق والتؤدة والتلطف والإقناع.

ولا تخرج عن دائرة الأدب، وسلاحها في سبيل الوصول إلى هدفها بالصبر والكلمة الطيبة، والبسمة الودود والحجة القوية، والأسلوب المهذب الحكيم.

المصدر: موقع صوت السلف